الأربعاء، 26 أبريل 2017

قصة تحية كاريوكا : فنانة و إنسانة من الطراز النادر و ست بـ 100 راجل !



تحية كاريوكا أسطورة من أساطير الزمن الجميل، ليس فقط بفضل أعمالها الخالدة، بل أيضاً بفضل مواقفها الوطنية و الإنسانية التي لا تنسى، و بفضل سيرة حياتها المثيرة و التي مثلت حالة تمرد على العادات و التقاليد و السلطة الأبوية في المجتمع. 

ولدت بدوية محمد علي النيداني و هو اسم تحية كاريوكا عند الولادة في الاسماعيلية يوم 22 شباط فبراير 1919 لوالد "مراكبي" يسافر بسفينته إلى الحجاز ويعود مرة كل سنة، ويتجاوز عمره الـ 60 عاماً، وأم شابة  تصغره بأربعين عاماً، هي السابعة بين زوجاته.

أطلق على المولودة إسم بدوية تيمناًَ باسم الولي الصوفي السيد البدوي صاحب المقام المعروف في مدينة طنطا، و بعد ولادتها بفترة قصيرة توفي الوالد و انتقلت بدوية للعيش في بيت أخيها الأكبر أحمد النيداني.

في بيت أخيها تحولت بدوية إلى خادمة لأخيها و زوجته بعد أن أخرجها من مدرسة الراهبات التي كانت قد التحقت بها لفترة قصيرة، و ذات يوم ذهبت بدوية إلى زفاف كانت تحييه المطربة سعاد محاسن في الإسماعيلية و رقصت أمامها، فأعجبت بها المطربة المعروفة و وطلبت منها أن تلتحق بها في شارع عماد الدين في القاهرة كي تحترف الرقص الشرقي.

علم شقيق تحية كاريوكا بنيتها السفر إلى القاهرة فضربها بشدة و قام بتقييدها إلى وتد على سطح المنزل كان مخصصاً لربط الخراف و ظلت هناك لثلاث أيام كاملة حتى كادت تموت، إلى أن جاء عثمان ابن شقيقها الآخر مرسي فأشفق عليها و قام بفكها دون علم عمه، و على الفور فرت بدوية من المنزل و اتجهت إلى القاهرة.

في شارع عماد الدين تنقلت بدوية من مسرح لآخر حتى استقرت في مسرح بديعة مصابني و هناك كانت انطلاقتها الحقيقية، حيث تعرفت إلى الفنان سليمان نجيب رئيس دار الأوبرا المصرية آنذاك و الذي شجعها على تعلم اللغات الإنكليزية والفرنسية ومبادئ الإتيكيت و البروتوكول، كما بدأت بتوسيع ثقافتها و قراءة روائع الأدب العربي و العالمي. 

في عام 1940 غيرت بدوية محمد إسمها إلى "تحية كاريوكا" بعد أن برعت في أداء رقصة الكاريوكا البرازيلية، و في السنوات اللاحقة تحولت إلى واحدة من أهم الراقصات في مصر و العالم العربي، فشاركت في عشرات الأفلام السينمائية و الأعمال المسرحية مع كبار الفنانين في مصر. 


بالملاية اللف في مهرجان كان عام 1956

في حياتها الخاصة تزوجت تحية كاريوكا 14 مرة كان أولها من أنطوان عيسى ابن شقيقة بديعة مصابني الذي تزوجت به عام 1939 و انفصلت عنه عام 1940، و في العام نفسه تزوجت الثري المعروف محمد سلطان باشا الذي طالبها بهجر الرقص فلم تقبل و تم الانفصال بعد 6 أشهر من زواجهما، لتتالى بعدها زيجات تحية كاريوكا التي ضربت بها الرقم القياسي لعدد الزيجات بين الفنانات، و كان من أشهر أزواجها المخرج فطين عبد الوهاب و الفنان رشدي أباظة و الفنان محرم فؤاد، أما أطول زيجاتها فكانت من الكاتب و المخرج المسرحي فايز حلاوة حيث استمرت 18 عامأً و انتهت بخلافات وصلت بهما إلى ساحات المحاكم.


مع زوجها الفنان فايز حلاوة

إلى جانب تاريخها الفني الحافل فقد كان لتحية كاريوكا نشاط وطني مشهود و من المعروف عنها أنها كانت عضواً في عدة تنظيمات وطنية حيث ساهمت في دعم الفدائيين في منطقة القناة مادياً و كذلك في تهريب السلاح و الذخيرة، و هي كذلك التي خبأت الضابط الشاب أنور السادات بعيد اغتيال أمين عثمان باشا في الأربعينات، و بعد ثورة يوليو تعرضت تحية كاريوكا للسجن لنحو 100 يوم بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي، في حين قادت في الثمانينات إضراب نقابة الفنانين الشهير و الذي أصرت خلاله على الإضراب عن الطعام رغم وضعها الصحي الصعب.

كما تروى عن تحية العديد من الحكايات التي و إن كانت غير دقيقة أو موثقة إلا أنها تعبر عن شخصيتها القوية و سمعتها كإنسانة تتمتع بحس وطني عالٍ، حيث يروى مثلاً أنها قالت للملك فاروق ذات يوم حين كان يشاهد رقصها في فندق الأوبرج الشهير: "مكانك مش هنا يا جلالة الملك، مكانك في القصر" ما أغضب الملك منها و سبب له حرجاً وسط حاشيته، كما يروى أنها هاجمت خلال مهرجان كان السينمائي عام 1956 الممثلة الأمريكية سوزان هيوارد المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني و كادت تضربها. 

في أواسط الخمسينات اعتزلت تحية كاريوكا الرقص بشكل نهائي  بناء على نصيحة من الأطباء و منذ ذلك الحين اقتصر نشاطها الفني على التمثيل فقط.

و قد عرف عن تحية كاريوكا صراحتها الشديدة التي كانت تسبب لها المشاكل في كثير من الأحيان، و عن هذا تقول في أحد لقاءاتها أن الكثيرين لديهم انطباع خاطئ بأن "لسانها طويل" لكنها ليست كذلك بل هي "صريحة و تقول للأعوج أنت أعوج فى وجهه".

في أواخر أيامها ارتدت تحية كاريوكا الحجاب كما باتت مقربة من الشيخ متولي الشعراوي، و ذات يوم  وجدت طفلة رضيعة أمام باب شقتها فقررت أن تتبناها وأطلقت عليها اسم "عطية الله" و تولت رعايتها من بعد وفاتها الفنانة فيفي عبده.

في يوم 30 أيلول سبتمبر 1999 رحلت أسطورة الرقص الشرقي تحية كاريوكا عن عالمنا عن 80 عامأً بعدما تعرضت لالتهاب رئوي حاد عقب عودتها من رحلة عمرة تاركة وراءها إرثاً فنياً و إنسانياً لا ينسى. 


في أواخر أيامها

شاهد أيضاً : 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق