السبت، 17 يونيو 2017

صراعات "داحس و الغبراء" العربية العربية : دماء و دموع و طاقات مهدورة




عرف القرن العشرون تأسيس الدولة العربية الحديثة بعد نيل الإستقلال عن الاحتلال العثماني و الإستعمار الأوروبي، و رغم أن ما يجمع العرب أكثر بكثير مما يفرقهم، إلا أن اختلاف الأنظمة الحاكمة في الدول العربية قاد إلى خلافات عربية عربية وصلت في بعض الأحيان إلى حد الاقتتال المباشر بين أبناء الأمة الواحدة، و ما الخلاف الأخير بين قطر من جهة و السعودية و البحرين و الإمارات و مصر من جهة ثانية إلا حلقة جديدة من مسلسل الصراعات هذا الذي نورد لكم هنا أبرز فصوله : 

الصراع السعودي الهاشمي : 

مع سقوط الدولة العثمانية رفع الهاشميون حكام الحجاز راية الثورة العربية داعين إلى إقامة دولة عربية واحدة تضم بلاد الشام و الجزيرة العربية تحت حكمهم و رعاية حليفتهم بريطانيا، إلا أن الهاشميين اكتفوا بعد اصطدامهم بواقع اتفاقية سايكس بيكو و وعد بلفور بمملكة الحجاز تحت حكم الشريف حسين، و مملكة العراق تحت حكم ابنه فيصل،و إمارة شرق الأردن تحت حكم ابنه الآخر عبد الله، و في الجزيرة العربية كان على الهاشميين مواجهة الطموحات المتعاظمة لعبد العزيز بن سعود حاكم نجد، الذي اجتاح جيشه المدجج بالعقيدة الوهابية مملكة الحجاز الوليدة فاستولى على مكة و المدينة و وصل حتى ميناء جدة، و كاد أن يتمدد شمالاً ليهدد ملك الهاشميين في العراق و شرق الأردن لولا أن الطائرات البريطانية تدخلت لردعه، هذا الصراع بين العائلتين سوف يمتد تأثيره لعقود لاحقة حيث يروى عن الملك حسين حاكم الأردن أنه كان كثيراً ما يحدث زائريه بحزن و هو يشير إلى موقع الأردن على الخريطة قائلاً "هنا ملك بلا مملكة"، ثم يشير إلى موقع السعودية و يقول "و هنا مملكة بلا ملك"، متحسراً على ملك أجداده الهاشميين الذي كان يعتبر بان السعوديين قد قاموا باغتصابه عنوة. 

عبد الناصر و خصومه : 

شكل وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر حاملاً معه مشروع التحرر الوطني و حلم القومية العربية، تحدياً كبيراً لا لإسرائيل و قوى الإستعمار الغربي فحسب، إنما لأدواتهم من الأنظمة الرجعية العربية أيضاً، و أولى معارك عبد الناصر الكبرى كانت مع نظام الهاشميين في العراق و حكومة نوري السعيد التي رعت تأسيس حلف بغداد المعادي للشيوعية و لمشروع القومية العربية، و قد انتهى هذا الصراع بسقوط النظام الهاشمي بانقلاب عسكري باركته القاهرة عام 1958. 

صراع آخر خاضه عبد الناصر ضد نظام كميل شمعون في لبنان، حين دعم الثورة المسلحة ضده و التي كادت أن تطيح به لولا تدخل المارينز الأمريكي الذي أنزل قواته على شواطئ بيروت عام 1958، ما أفضى إلى اتفاق أدى لانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

واحدة من أبرز معارك عبد الناصر العربية و أكثرها دموية تمثلت بصراعه مع حاكم العراق عبد الكريم قاسم الذي تحالف مع الحزب الشيوعي و رفض انضمام العراق إثر ثورة 1958 إلى الجمهورية العربية المتحدة، في حين دعم نظام عبد الناصر خصومه من قوميين و بعثيين، و قد انتهى هذا الصراع بانقلاب 8 شباط فبراير 1963 الدموي الذي باركته القاهرة و أدى لمقتل عبد الكريم قاسم و اجتثاث وحشي للشيوعيين العراقيين.

أما أهم صراعات عبد الناصر العربية و أكثر تأثيراً فقد كان صراعه مع العربية السعودية، و الذي وصل إلى حد الحرب المباشرة فيما بينهما في اليمن التي دعمت مصر فيها الجمهوريين بقوات مصرية، في حين دعمت فيها السعودية الإمام المعزول، و يعتقد بعض المؤرخين و من بينهم محمد حسنين هيكل أن ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز كان واحداً ممن عرفوا بموعد عدوان 5 حزيران يونيو 1967 قبل وقوعه عن طريق الجانب الإسرائيلي الذي كانت تربطه بالسعودية اتصالات سرية وثيقة، و قد بارك الملك هذا العدوان الذي كان برأيه ضربة لا بد منها لكسر شوكة النظام الناصري و حلفائه السوفييت الذين يمثلون -حسب رأيه- الخطر الأكبر على مملكته و على الإسلام.

الصراع على الصحراء الغربية :

خصومة طويلة و صراع مرير خاضته المغرب و الجزائر على قضية الصحراء الغربية و التي بدأت بعد جلاء الإسبان عن المنطقة عام 1976، حيث أراد المغرب ضم الصحراء إليه في حين دعمت الجزائر جبهة البوليساريو التي نادت باستقلال الصحراء الغربية.


الحرب المصرية الليبية : 

مثل الزعيم الليبي معمر القذافي منذ قيام ثورة الفاتح من أيلول سبتمبر 1969 أحد أهم حلفاء مصر الإقليميين، حيث قامت ليبيا بإغلاق القواعد الأمريكية على أراضيها و التي يعتقد البعض بأنها لعب دوراً هاماً في إلحاق الهزيمة بمصر عام 1967، كما ساهمت ليبيا بسخاء في دعم المجهود الحربي المصري عن طريق تمويل العديد من صفقات الأسلحة للجيش المصري و بخاصة الطائرات الحربية، كما شكل البلدان مع سوريا اتحاد الجمهوريات العربية الذي تم إعلان قيامه عام 1971، إلا أن مبادرة السادات المنفردة للسلام مع كيان الإحتلال أثارت حفيظة العقيد القذافي الذي دعا الليبيين إلى مسيرة كبرى أسماها "مسيرة نحو القاهرة" هدفها تجاوز الحدود بين مصر و ليبيا و تشجيع الشعب المصري على الإنضمام إلى المسيرة لإسقاط نظام السادات، و حين أوقف حرس الحدود المصري المسيرة رد الليبيون بإطلاق نيران مدافعهم على الجانب المصري، فردت مصر بقصف مواقع عسكرية ليبية بالطائرات، و بعد أيام قليلة من المناوشات المتبادلة على طرفي الحدود، تدخلت الجزائر و منظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الحرب و المصالحة ما بين البلدين. 


صراع البعثين : 

في عام 1963 وصل حزب البعث العربي الإشتراكي إلى السلطة في سوريا من خلال انقلاب عسكري أطلق عليه إسم ثورة الثامن من آذار مارس، في حين وصل البعثيون إلى السلطة في العراق عام 1968 بعد انقلاب أسموه ثورة 17-30 تموز يوليو، و قد أدى صراع الأجنحة داخل حزب البعث لانقسام حاد بين بعث العراق و بعث سوريا بلغ ذورته إثر وصول صدام حسين لرأس السلطة في العراق عام 1979 حيث اشتعلت حرب السيارات المفخخة و العمليات الإرهابية بين البلدين، فدعم العراق جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تخوض حرباً مفتوحة مع نظام الرئيس حافظ الأسد، في حين دعمت دمشق حزب الدعوة الشيعي المعارض و الذي كان يسعى لإسقاط نظام صدام حسين بالقوة، الحرب العبثية بين جناحي البعث استمرت لسنوات طويلة و كانت نتيجتها استنزاف الكثير من طاقات البلدين و إزهاق أرواح الآلاف ممن سقطوا نتيجة التفجيرات و الاغتيالات المتبادلة أو نتيجة التعذيب في غياهب السجون حيث كان يلقى كل من يشك بتعاطفه مع الجناح المعارض من الحزب.

غزو الكويت : 

ربما كان غزو العراق للكويت عام 1990 نتيجة خلاف حدودي و مالي بين البلدين أسوأ فصل في تاريخ العلاقات العربية العربية حيث مثل تصدعاً خطيراً في النظام الرسمي العربي الذي فشل في حل الأزمة داخل البيت العربي فاستعانت الكويت و السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية لطرد الجيش العراقي من الكويت و تدمير العراق و قتل مئات الآلاف من أهله، في حين طالت آثار تلك الحرب المدمرة كافة الشعوب العربية و بخاصة الشعب الفلسطيني.

شاهد أيضاً :

الجمعة، 16 يونيو 2017

10 ملايين دولار لمن يحل لغز أضخم سرقة فنية في التاريخ



لوحة "عاصفة فوق بحر الجليل" للرسام رامبرانت واحدة من اللوحات المسروقة 

من بعد منتصف ليل يوم 18 آذار مارس 1990 بقليل، دخل رجلان يرتديان ملابس الشرطة إلى متحف ايزابيلا ستيوارت جاردنر للفنون في مدينة بوسطن الأمريكية، وبعد أن قيّدا عناصر الأمن في المتحف، قاما بسرقة 13 قطعة فنية لا تقدر بثمن من بينها 3 لوحات للرسام الهولندي الشهير رامبرانت، بالإضافة إلى لوحات لفيرمير ومانيه وديجا، و ذلك خلال مدة لا تتجاوز 90 دقيقة، وتتراوح قيمة الأعمال المسروقة ما بين 300 إلى 500 مليون دولار أمريكي، ما يجعل هذه العملية أضخم حادثة سرقة فنية في التاريخ.

وقد عرض المتحف حينها مبلغ 5 ملايين دولار مكافأة للشخص الذي يقوم بإعادة المسروقات، لكن دون نتيجة، وخصوصاً بعدما أجمع المحققون على أن السرقة تمت بالتنسيق مع جهة إجرامية أخطر من السارقين الذين قاما بتنفيذ العملية.

وبعد أكثر من 27 عاماً من الانتظار قرر المتحف أن يضاعف المكافأة لمن يعيد الأعمال المسروقة، لتصبح 10 ملايين دولار، شرط أن تتم إعادة الأعمال قبل نهاية العام الحالي 2017.

و قد صدرت العديد من الكتب التي ناقشت تفاصيل عملية السرقة هذه، و كلها أجمعت على أن السارقَين و الأفراد الذين يعلمون بمكان وجود الأعمال الفنية لم يعودوا على قيد الحياة، ما يجعل الأمل بإيجاد هذا الكنز الفني يرتبط بأي شخص حي يعرف مكانها، ولهذا السبب ، تمت مضاعفة قيمة الجائزة للشخص الذي يعيد المسروقات.

شاهد أيضاً :

الأربعاء، 14 يونيو 2017

فريدا كاهلو و قوة "السيلفي" !




لعل الفنانة المكسيكية ذائعة الصيت فريدا كاهلو (1907 ــ 1954) هي واحدة من أوائل الذين أدركوا جيداً  قوة "السيلفي" قبل أن يصبح جزءاً واسع الانتشار من الثقافة الشعبية بوقت طويل جداً، فبورتريهاتها الذاتية كانت غالباً ما تأخذ المتلقي لما هو أبعد من الرسم بحد ذاته، لتعرض تفسيرات شخصية واجتماعية شديدة العمق، على الصعيدين الظاهر و الباطن للوحة. 

منزل فريدا المعروف باسم البيت الأزرق جمع تحت سقفه فنانين من طراز رفيع، هما فريدا كاهلو و زوجها دييغو ريفيرا (1886 ــ 1957)، و قد تحول اليوم إلى متحف  يلجأ إليه الزائر هرباً من ضجيج  و ازدحام العاصمة المكسيكيَّة مكسيكو سيتي،. وقد يتهيّأ للزائر أن حياةً مليئة بالبهجة و الألوان سادت بين الزوجيْن، اللذين حافظا على استقرار حياتهما الزوجية حتى فرَّق بينهما الموت، قبل أن نكتشف أن ثمَّة زوابع عديدة كادت تعصف بحياتهما، وإن كان لجدران المنازل الأخرى آذان، فإن لجدران البيت الأزرق لوحاتٍ تروي الحقائق التي كانت تراها كاهلو، فتحولها إلى رسومات. 

منذ صغرها تمردت فريدا على واقعها، و ربما يمكننا أن نعيد جذور هذا التمرد إلى طفولتها المبكرة، حين اندلعت الثورة في بلادها فيما كانت فريدا ما تزال في عامها الثالث، لهذا أصرت فريدا لاحقاً على تغيير تاريخ ميلادها من 1907 إلى 1910، و هو عام انطلاق الثورة المكسيكية، حيث أرادت أن يكون ميلادها متزامناً مع الولادة الجديدة لأمتها من رحم الثورة.

وكما تمردت على تاريخ ميلادها، تمردت أيضاً على كل ما وجدته من عيوب في شكلها أولاً ثم في جسدها ثانياً، لقد أبرزت عيوب وجهها في لوحاتها بدلاً من أن تخفيها، بدءاً من حاجبيها الكثيفين، حتى الشعر الذي ينبت فوق شفتها العليا و الذي يشبه الشارب.



إصابتها بشلل الأطفال التي شوهت ساقها اليمنى كان بداية معاناتها و آلامها، و ربما بداية تمردها أيضاً، معاناة عمقها حادث الباص الذي تعرضت له عام 1925 فتسبب لها بكسر في عمودها الفقري و عظم الترقوة و الحوض و الأضلاع، عدا عن أحد عشر كسراً في ساقها اليمنى، و سحق قدمها اليمنى، بالاضافة لاختراق عمود حديدي لرحمها ما تسبب في حرمانها من القدرة على الإنجاب.

وبرغم ما تسبب به الحادث لها من آلام جسدية و نفسية شديدة، إلا أنه وضع بدايات تشكيل اسمها كفنانة، فبعد أن نجت من الموت بأعجوبة وجدت فريدا نفسها مجبرة على التمدد في سريرها على ظهرها لمدة عام كامل فيما عيناها معلقتان في سقف الغرفة، الفراغ الطويل، الألم، و عدم القدرة على الحركة لتلك المتمردة الصغيرة، زاد حجم معاناتها، فواتتها فكرة تعليق مرآة ضخمة في السقف أعلى سريرها، استجاب والداها للطلب، فأصبحت فريدا في مواجهة مؤلمة مع جسدها، لم يكن تجاوزها ممكناً إلا عبر نقلها بالريشة والألوان، ذلك أن الرسومات التي راحت تملأ بها الجبس الذي غطى جسدها ساعدتها على التخفيف من شعورها بالإحباط و الغضب، هكذا  أصبحت رسوماتها  بمثابة تقارير مصورة و بورتريهات يومية تجسد شدة الألم الذي تعانيه، ملأ الرسم أوقاتها و خفف من معاناتها، وجعلها تكتشف موهبة وشغفاً بالرسم لم يكونا في حسبانها و هي طالبة الطب التي لم تدرس الفن أو تفكر باحترافه يوماً !

في عام 1929 تزوجت فريدا من الرسام دييغو ريفيرا الذي كان يكبرها بعشرين عاماً، ثارت على والدتها التي رفضت هذا الزواج، و تمردت على سمعته السيئة التي سبقته وعلى كل ما عرفته عن مغامراته النسائية العديدة، كان لدييغو تأثير كبير على فنها و حياتها، شجعها حين عرضت عليه اللوحات التي رسمتها خلال مرضها، أشاد بموهبتها، ومنحها من الاهتمام ما حفزها على مواصلة الرسم. 



و رغم دعمه الكبير لها، إلا أن دييغو لم يمنحها الإخلاص والأمان الذي كانت تنشده كامرأة، فقد كان زير نساء يتنقل من امرأة لأخرى، حتى أنه أقام علاقة مع شقيقة فريدا الصغرى، أما فريدا فقد تقبلت خيانة دييغو بألم، ثم راحت هي أيضاً تقيم علاقات مع أشخاص من كلا الجنسين نكاية بزوجها !

البورتريهات الذاتية شكلت الجزء الأكبر من أعمال فريدا، جاءت أولاً مصورة لها أثناء مرضها ثم مستقاة من تجاربها الشخصية، فقد قدمت 140 لوحة زيتية من بينها 55 بورتريهاً ذاتياً صورت فيها آلامها عبر تقاسيم وجهها القاسية  أو عبر جسدها المثخن بالجراح، لقد كانت فريدا تبالغ في إظهار عيوب وجهها وجسدها لتعبر عن عمق ألمها وشدة معاناتها.

اهتمت فريدا أيضاً بتصوير ثقافتها المكسيكية وثقافة الهنود الحمر التي تنحدر منها من جهة أمها،  بدا ذلك واضحاً في استخدامها للألوان البراقة، وللأسلوب البدائي والرمزية المثيرة، فقد تضمنت لوحاتها بعض الرموز الدينية المرتبطة بالثقافية المكسيكية، لكن كل تلك الرموز كانت تقدم ضمن لوحات سريالية و بمعان مختلفة، خاصة بفريدا.

توفيت فريدا عام 1954 بعد إصابتها بمرض رئوي، كتبت في مذكراتها قبل وفاتها بأيام : "أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعاً وأتمنى أن لا أعود إليها ثانية"، تلك العبارة أثارت الشكوك في سبب وفاتها، فقد جعلت البعض يعتقد أنها انتحرت بجرعة زائدة من الدواء.



لم تُعرف فريدا بشكل واسع أثناء حياتها، رغم اقتناء متحف اللوفر الشهير بباريس لإحدى لوحاتها عام 1939، حيث كانت أول فنانة مكسيكية من فناني القرن العشرين يتم اقتناء لوحاتها من قبل متحف عالمي بأهمية اللوفر، إلا أنها لم تعرف داخل المكسيك إلا لكونها زوجة دييغو ريفيرا، الفنان الشهير الذي ساهمت أعماله في تأسيس حركة الجداريات المكسيكية، و هكذا لم يتم الاحتفاء بفريدا في بلادها إلا بعد وفاتها بعقود طويلة، حتى أن أول معرض شخصي لها في المكسيك كان بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على ميلادها. 

الاحتفاء بتراث فريدا لم يأت من قبل الفنانين فحسب، بل أيضاً من قبل المجموعات النسوية التي وجدت فيها خير نموذج للمرأة التي تحدت كل الممنوعات وتمردت على كل القوانين.

و لعل واحداً من أهم أسباب تزايد الاهتمام بفريدا كاهلو في العقود الأخيرة هو تبني السينما لقصتها والترويج لها عبر عدة أفلام  كان أهمها الفيلم الذي أخرجته دولي تيمور عام 2002 و لعبت دور فريدا فيه النجمة الهوليودية المكسيكية ذات الأصول اللبنانية سلمى حايك، و هو الفيلم الذي قدم حياة فريدا الصاخبة والمؤثرة من خلال نص جميل و معالجة فنية راقية، كما تفوقت سلمى حايك على نفسها في هذا الدور المعقد و المركب، حيث تمكنت ببراعة نادرة من ترجمة الانفعالات الداخلية لشخصية فريدا المقهورة عاطفياً والمدمرة نفسياً وجسدياً، في الوقت عينه  برعت سلمى في أن تقنع المشاهد بإيجابية وقوة شخصية فريدا رغم كل ما يحيط بها من مرارة، فهذه الفتاة المقهورة جسدياً و نفسياً و عائلياً دافعت عن كيانها وقاومت كل ما حولها لترتقي بفنها و إبداعها إلى فضاءات واسعة، جعلت منها واحدة من أهم الفنانين في المكسيك و العالم خلال القرن العشرين. 



شاهد أيضاً :


الثلاثاء، 13 يونيو 2017

فانوس رمضان : أصل و تاريخ !




ما إن تهل علينا نسائم الشهر الكريم حتى تخلع شوارع مصر عباءتها التقليدية لترتدي ثوباً جديداً ذا ألوان زاهية، فترى الفوانيس وقد صُفّت على الجانبين بإضاءتها وألوانها الجميلة، في حين يطوف الأولاد في الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس مطلقين الأغاني والأناشيد، ومن أشهرها الأغنية الشعبية "وحوي يا وحوي".

و الفانوس بشكله الحالي لم يظهر إلا منذ نحو 100 عام أو أكثر بقليل، بينما يعود أول ظهور له إلى العهد الفاطمي و تحديداً إلى يوم الخامس من شهر رمضان عام 358 هجرية، 969 ميلادية، مع دخول المعز لدين الله القاهرة ليلاً، إذ أمر جوهر الصقلي قائد الجيش الفاطمي و مؤسس مدينة القاهرة بأن يخرج الناس لاستقبال الخليفة وهم يحملون الشموع لإنارة الطريق أمامه، و حتى لا تنظفئ الشموع لجأ الناس إلى وضعها على قاعدة من الخشب وإحاطتها ببعض الزعف والجلد الرقيق، وهنا أعجب المعز بمشاهد الفوانيس التي يحملها المصريون، ومنذ ذلك الوقت بات الفانوس تقليداً رمضانياً راسخاً. 

و يروى أيضأً أن الخليفة الفاطمي كان دائماً ما يخرج إلى الشارع في ليلة استطلاع هلال رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه يحمل كل منهم فانوساً ليضيئوا له الطريق، وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بحلول الشهر الفضيل.

أما صناعة الفانوس فازدهرت على نطاق واسع في عهد الحاكم بأمر الله في القرن العاشر الميلادي، الذي أمر أن لا تخرج النساء من بيوتهن ليلاً إلا في شهر رمضان للتزاور أو الصلاة في المساجد، على أن يتقدمهن صبي يحمل فانوساً، كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات وأبواب البيوت، وفرض غرامات على كل من يخالف هذا الأمر.

وتعد القاهرة من أهم المدن التي تزدهر فيها صناعة الفوانيس، وهناك مناطق معينة تعتبر من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس ، مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر، والغورية، ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب، كما انتقلت فكرة الفانوس إلى أغلب الدول العربية وأصبحت تقليداً من تقاليد شهر رمضان المبارك، خاصة في القدس و دمشق وحلب. 

ورغم أن تجارة الفوانيس تزدهر في موسم الشهر الكريم، إلا أنها صناعتها تستمر على مدار العام، حيث يتفنن صناعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة، وقد ظلت صناعة الفانوس تتطور عبر الزمن حتى ظهر مؤخراً الفانوس الكهربائي الذي يعتمد في إضاءته على البطارية واللمبة عوضاً عن الشمعة، ولم يقف التطور عند هذا الحد بل غزت الصين مصر و الدول العربية بصناعة الفانوس الصيني الذي يضيء ويتكلم ويتحرك ويغني أحياناً !



شاهد أيضاً :